الحكمة الأولى:
من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل
شرح الحكمة:
يقول ابن عطاء الله: "إياك أن تعتمد في رضا الله عنك و في الجزاء الذي وعدك على عمل قد فعلته، بل اعتمد على لطف الله و فضله و كرمه" وقد قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في حديث رواه البخاري "لن ُيدخل أحدكم الجنةَ عمله" قالوا: و لا أنت يا رسول الله، قال " و لا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته"
فالحديث يبين أن العمل ليس ثمنا للجنة و من بين أبرز دلائل اعتمادنا على أعمالنا هو نقصان رجائنا في عفوه تعالى لما يقل عملنا و تكثر ذنوبنا.
هنا نطرح سؤالا: هل نستحق الجنة بعرق جبيننا أي بالعبادات و الطاعات التي نقوم بها؟
الجواب هو لا، ذلك أننا إن قلنا كذلك كأننا نقول أن الله رصد ثمن الجنة عباداتنا و طاعاتنا، و من ثم إن قمت بواجبي على أحسن ما يرام أكون مستحقا لقبض المبلغ...و هذا مما لا يجوز ذلك أنه منطق تعامل العبد مع أخيه العبد، أما تعامل العبد مع ربه، فلا يصح أبدا، لأن الله هو مالك كل شيء و هو من وفقنا لأداء تلك العبادات و الطاعات، قال تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) الحجرات:17.
فالعمل ليس بقدرة ذاتية، فقط تذكر حين تقول " لا حول و لا قوة إلا بالله" فلا حول من المعاصي و لا قوة على الطاعات إلا بالله عز و جل.
إذن فما معنى قوله تعالى (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل:32؟
و الجواب على ذلك:
1- أن الكلام هو من طرف واحد هو الله و ليس من طرفين متعاقدين.
2- جعل الله العمل سببا لدخول الجنة تفضلا منه و إحسانا.
فالواجب أن نقوم بما أمرنا الله به و نطمع في كرمه عز و جل و عفوه
و قد يسأل سائل: لماذا إذن نعبد الله مادامت رحمته هي ما تدخل الجنة؟
و الجواب أن العبادة حق الله على عبيده، و الجنة منحة و عطية منه عز و جل، قال تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) الأعراف:156. و هذا مغزى العبودية، أن تؤدي العبادة على حقها ثم تتقمص دور المتسول الذي يسأل الجود و الإحسان من أهله.
و عودة إلى الحكمة...
فالمغزى العام منها ألا تعتمد على العمل حينما توفق إليه و ألا يقل الرجاء عند التقصير، ففي كلتي الحالتين نتطلع إلى جود الله و كرمه بقدر ما نخاف مقته و عقابه، و من ثم ينبغي أن يكون شعوران يتجاذبان أبدا، شعور الأمل في فضل الله و عفوه و هو الرجاء، و شعور الخجل و الخوف من غضبه.
إذن، كيف لا ينقص رجائي؟
ادخل باب التوبة، فلا رجاء و أنت مصر على المعصية. و التوبة تجعل الرجاء في نفس العاصي مزدهرا000
و احذر أخيرا000
أن يزداد رجاؤك كلما زدت إقبالا على الله، فذلك كذلك من علامة اعتمادك على عملك، فإنك إن فعلت قد يصل بك ذلك إلى أن تزداد ثقة بمثوبة الله عز و جل فيأتي يوم و تجزم أنك من أصحاب الجنة، و السبيل للابتعاد عن هذا المنزلق أن تتذكر أن حقوق الله على العباد لا تؤدى بالطاعات مهما كثرت، بل هي باقية.
خلاصة الحكمة
أن المسلم يجب أن يعبد الله لأنه عبده و لأن الله ربه، و لا ينتظر مقابل عبادته الجنة فإنما هي منحة و تفضل منه عز و جل و نقول كما قال الشاعر:
فإن يثبنا فبمحض الفضل....و إن يعذب فبمحض العدل