يا مصر كل حديث كنت أحفظه *** جرت دموعي على أعتاب داركمو
نسيته عند أهل التل والدارِ *** يا مصر كل الهوى في نيلك الجارِ
يا مصر، أنتِ كوكبة العصر، وكتيبة النصر، وإيوان القصر، أنتِ أم الحضارة، ورائدة المهارة، ومنطلق الجدارة، وبيت الإمارة، ومقر السفارة، ومهبط الوزارة.
من أين نبدأ يا مصر الكلام، وكيف نلقي عليكِ السلام، قبل وقفة الاحترام، لأن في عينيكِ الأيام، والأعلام، والأقلام، والأعوام.
يا مصر أنتِ صاحبة القبول والجاه، كم من قلب فيكِ شجاه ما شجاه، ونحن جئنا ببضاعة مزجاة.
يا ركب المحبين أينما حللتم وارتحلتم، وذهبتم وأقبلتم، اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم. يا أرض العز، يا قاهرة المعز، يا بلاد العِلم والقطن والبز.
سلام عليكِ يا أرض النيل، ويا أم الجيل، الحب لكِ أرض والجمال سقف، والمجد لكِ وقف، ويا داخل مصر منك ألف، ما أحسن الجفن والجيد والكف، التقى الطيب والكافور في مصر، لما التقى أبو الطيب وكافور في القصر، قبل أن يدخل جوهر الصقلي مصر كان عبداً مملوكاً، فلما دخلها صار يحكم ملوكاً.
قل للأخيار المكرمين، الوافدين إليها مغرمين، والقادمين عليها مسلمين، ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.
في مصر تعانقت القلوب، وتصافح المحب والمحبوب، والتقى يوسف بيعقوب، فصفق الدهر ليوسف منشداً، وغنى الزمان له مغرّداً، وخروا له سجداً.
في مصر ترعرع الشعر، وسال القلم البليغ بالسحر، فكان الفضاء لكتاب مصر صفحة بيضاء، يكتب كل ما يشاء، فصارت العقول في ذهول، من روعة المنقول والمعقول، وأذعنت القلوب في قبول، ترحب بالشاعر المصقع، والقلم المبدع، والرأي المقنع.
في مصر القافية السائرة، والجملة الساحرة، والمقالة الآسرة، والفكرة العاطرة، عالم من الجنود، والبنود، والوفود.
دنيا للقادة، والسادة أهل الإفادة، والإجادة، والرفادة، ديوان للكتاب، والحساب، والأصحاب، والأحباب.
محراب للعباد، والزهاد، والأمجاد، والرواد، علماء ،وحكماء، وكرماء، وحلماء وشعراء، وأدباء، وأطباء، وخطباء، ونجباء، وأذكياء، وأولياء، وأصفياء، وأوفياء.
هنا الدهر يكتب من ذكرياته فنوناً، هنا التأريخ يبث من صدره شجوناً، هنا الجمال يسكب من إنائه فنوناً، هنا خطا الزمان تتسارع، والحضارات تتصارع، والأهرام تقص علينا خبر الأيام، وأحاديث الأقوام، وما فعلته الأعوام.
مقامة مصر لشيخي د/ عائض القرني